إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح سنن الترمذي
36931 مشاهدة
باب ما جاء في كراهة مهر البغي

بقي الباب الثاني -وهو مهر البغي، وفي هذا الحديث أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هذه الثلاثة محرمة، وعبر الترمذي بالكراهة باب كراهة مهر البغي، ولكنها كراهة التحريم، والسلف يطلقون الكراهة على المحرم، يستدلون بقوله تعالى: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا مع أن فيها القتل وفيها الزنا وفيها أكل مال اليتيم ونحو ذلك، يعني فيها ما هو محرم يقينا؛ فلذلك عبر الترمذي بالكراهة مع أنها محرمة.
مهر البغي يعني ما يُبذل لها مقابل أن تُمكن من نفسها، والبغي هي الزانية وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا يعني زانية، فهذا المال الذي تجمعه من زناها محرم، حيث أنه بدل منفعة محرمة وهو الزنا فيكون حراما، لكن إذا تابت ماذا يُفعل به؟ هل ترده إلى الزاني؟
لا يستحقه؛ لأنه يستعين به على الزنا مرة أخرى، ولأنه قد استوفى منفعته، لا يُجمع له بين العِوَض والمُعوض، هل تتلفه؟ تحرق هذه الدراهم التي جمعتها ونحو ذلك؟
الدراهم ليس لها ذنب، الدراهم نظيفة طاهرة وإنما خبثها من حيث كسبها ومدخلها على هذه المرأة، إذًا ما دام كذلك فإننا ندخلها بيت المال، أو نجمعها مع الصدقات، لا تأكلها هي فإنها حرام عليها، ولا تردها إلى الزاني فإنها حرام عليه، ولكن تصرف في المصارف الخيرية.
ويقال كذلك في حُلوان الكاهن، يعني أُجرته على الكهانة، وما أكثر الكهان في هذه الأزمنة!
الكاهن هو الذي يأتيه أناس ويقولون: أخبرنا مثلا بالذي سحره. فيخبرهم مقابل دراهم يعطونه، يستوحي من شياطينه ويعطونه، ويخبرونه أو يقولون له: سُرق مِنَّا كذا وكذا من المال أخبرنا بالذي سرقه ونعطيك مائة أو نعطيك ألفا أو نحو ذلك. فيستوحي من شياطينه وتخبره شياطينه بأن السارق فلان، أو صفته كيت وكيت، هذا المال الذي يأخذه مال حرام سحت؛ لأنه مقابل عمل محرم وهو استخدام الشياطين، وعبادتها والتقرب إليها.
إذا تاب فإنه لا يرده على أهله الذين بذلوه ولو كانوا بذلوه لمصلحة لهم؛ لأنهم ما بذلوه إلا لأجل مصلحة حصَّلوها، ولا يأكله، بل يُصرف في مصالح المسلمين.
وأما ثمن الكلب ففيه خلاف طويل لعله يأتي في البيوع، وقد تكلم العلماء في ثمن الكلب، فأباحه الحنفية، وبالغوا في إباحته، وجمعوا من الأدلة ما يرجحون به مذهبهم، والجمهور على أنه حرام؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعه مع هذين المحرمين، مهر البغي، وحلوان الكاهن، فدل على أنهم سواء، سواء في التحريم، ولو كان في الكلب منفعة، والاستثناء الذي ورد ليس في بيعه إنما هو في الاقتناء؛ لحديث أبي هريرة وكذلك حديث ابن عمر من اقتنى كلبًا فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط -أو من عمله كل يوم قيراط- إلا كلب صيد أو ماشية زاد أبو هريرة أو حرث فهذا يُستثنى، يعني أن اقتناءه لا ينقص من عمل المقتني لكونه ذا حاجة، فرخص في الاقتناء ولم يرخص في البيع، فأحاديث البيع باقية على عمومها.